دراسة تقارن الصحراء بفلسطين .. خلفية سياسية وتوقيت مريب

أعدّت المديرية العامة للسياسات الخارجية في البرلمان الأوروبي دراسة في شكل تقرير تحت عنوان "احتلال أو إلحاق إقليم.. احترام القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان والسياسة المنسجمة للاتحاد الأوروبي في المجال".

 

وقد تناول التقرير موضوع المغرب والصحراء المغربية في الصفحات 9 و43 حتى 50، حيث عالج في الباب الأول والباب الثالث والباب الخامس وضع إقليم الصحراء من وجهة القانون الدولي.

 

كما تطرق، في الباب 5.3.3، لآثار ضم الإقليم على السكان، حيث وقف عند لجوء جزء صغير منهم إلى مخيمات تندوف بالجزائر. وأكد أن الأغلبية تعيش في الإقليم، وعلق على ما يقوم به المغرب من استثمارات ضخمة في التنمية.

 

وفي الباب 5.3.3 خصصه لالتزام الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي وسياسة الاتحاد، حيث عرج على إطار الاتفاقيات والمعاهدات التي تربط الاتحاد الأوروبي بالمغرب؛ بدءاً باتفاق الوضع المتقدم، وسياسته في إطار سياسة الجوار، قبل أن يقف كثيرا عند الاتفاقيات الاقتصادية، حيث لاحظ عدم تمييز الاتحاد الأوروبي في نطاق التطبيق الجغرافي للاتفاقيات بين المغرب وإقليم الصحراء، تحت ضرورة الانسجام مع التعريف الذي أعطاه في الباب الأول للإقليم بأنه "احتلال" وضرورة فصله في الاتفاقية.

 

وأشار إلى ما جنح إليه الاتحاد الأوروبي والمغرب في اتفاق الصيد البحري لتدارك ذلك؛ أُدْرِجَ في الاتفاقية، بعد رفض البرلمان الأوروبي المصادقة عليها، بندا يضع على المغرب التزاما باحترام حقوق سكان الصحراء، عبر آليتين، إثبات إنفاق المساعدة الأوروبية في تنمية الإقليم وفي صالح السكان، واحتفظ الاتحاد الأوروبي بحق تعليق الاتفاقية في حالة انتهاك وخرق المغرب لحقوق الإنسان.

 

هذه الدراسة الخطيرة لا يمكن أن تمر دون إبداء مجموعة من الملاحظات التي تتضمنها، والمغالطات التي أدرجت فيها، سواء في التعسف في إجراء المقارنة بين حالة الصحراء والقرم وفلسطين، أو في انتقاء ممنهج وإقصائي للحجج في القانون الدولي، وضرب صفح على الوقائع والحجج التي ترجح الموقف والمركز المغربي، أو حتى في الأهلية العلمية والتجرد والموضوعية للدراسات المستشهد بها.

 

الملاحظة الأولى: إقرار بخصوصية حالات المقارنة وسقوط في التعميم

عموما، فإن التقرير استهل بإقراره باختلاف في خصوصيات الحالات التي تناولتها بالدراسة، سواء في القرم أو فلسطين أو الصحراء؛ إلا أنه أثناء عرض ومناقشة قضية الصحراء، تعامى عن تلك الخصوصية، واجتهد في إسقاط تعريف موحد عليها وعلى باقي الحالتين، بحجة أن القانون الدولي ينطبق عليها جميعا، وأن الأمر يتعلق بضم إقليم لم تعبر ساكنته عن مصيرها، مضيفا أن استرجاع المغرب للصحراء ناتج عن "الاحتلال"، ويتقاطع مع الانزلاق السابق للأمين العام بان كي مون في مارس الماضي، وهو ما يضع علامة استفهام على علاقة هذا التقرير بالأمانة العامة للأمم المتحدة!

 

الملاحظة الثانية: نفي لتطور موقف كافة أجهزة الأمم المتحدة واستقراره في طبيعة الحل السياسية!

التقرير يكيف استرجاع المغرب لإقليم على أنه احتلال، ويعتمد في ذلك على توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 34/ 37. وتراجع عن إجراء نفس مبدأ الاستدلال الذي قام به في منطلق دراسة لتعريف طبيعة النزاع، والإشارة إلى أنه احتلال، إذ كان حريا به الانطلاق من ما استقرت عليه الأمم المتحدة وكل أجهزتها، بما فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تتبنى الحل السياسي؛ وهو الموقف نفسه للاتحاد الأوروبي، الذي أورد التقرير موقفه بأنه يدعم اتفاقا سياسيا متوافقا عليه، ليقول إن وضعية الإقليم سياسية وليست قانونية

 

الملاحظة الثالثة: تراجع التقرير عن مبدأ الاستدلال الذي استهل به التقرير

بالرغم من اعتراف التقرير بأن الاتحاد الأوروبي يدعم العملية السياسية التي تقوم بها الأمم المتحدة تحت إشراف الأمين العام ومبعوثه الشخصي، وأن الاتحاد يدعم الحل السياسي المتوافق عليه؛ فإن التقرير ينتقد هذا الدعم، بدعوى أنه لا يشير إلى تقرير المصير. وكأن البرلمان الأوروبي، الذي يشرع للاتحاد، يريد أن يحل محل الاتحاد الأوروبي في اختصاصاته. وهذا تدخل لا تسمح به اتفاقية لشبونة، المناط بها تحديد اختصاصات أجهزته، والفصل بينها.

 

الملاحظة الرابعة: انتقاء في مراجع الإسناد المرجعي الحليف للبوليساريو وإقصاء الحجج المغربية

التقرير يستند، في مراجعه، إلى أبحاث لباحثين يتبنون دفوعات البوليساريو؛ أمثال ماركو بالديني،في ندوة بدولة جنوب إفريقيا، وكريمة بن عبد الله كامبيي، أستاذة جامعية ببلجيكا، وهانس كوريل مهندس موقف دولة السويد. وجرى إقصاء الدراسات التي تبرز حقوق المغرب ورجحان مركزه تاريخيا وقانونيا.

 

الملاحظة الخامسة: التقرير سياسي أكثر منه قانوني ولا علمي

ولئن كانت الدراسة ليست ملزمة ولا قرارا صادرا عن البرلمان الأوروبي، فإنها خطيرة؛ لأنها، من جهة، توفر وثيقة لأجهزة الاتحاد الأوروبي للاستئناف بها في تقدير الأعمال والمواقف والقرارات حول المغرب في علاقة بصحرائه، وتثير الريبة والشك في توقيت صدورها لربما للتأثير في نتيجة حكم محكمة العدل الأوروبية بتوفير حجة لتأييد الحكم بعدما تبين له من مناقشات القضية أنها تسير في اتجاه إلغائه.

 

ولا شك في أن غاية الدراسة المعلنة في عنوانها في محاولة التأسيس لانسجام ووحدة في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وأعضائه حول الموضوع، لا يحكمها القانون الدولي بشقه الإنساني ولا الخاص بحقوق الإنسان؛ لأنه لا يلغي حقوق المغرب.

 

إن الدراسة سياسية، وتؤكد سيطرة بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي على أجهزة الاتحاد الأوروبي، وصراع أجهزته وهياكله نفسها حول الاختصاصات، وتباين واختلاف مواقفها وعدم انسجامها، بدليل إقصاء وسكوت الدراسة عن الاتفاقيات الأوروبية مع المغرب في ميدان الهجرة التي تنتهك صراحة القانون الدولي لحقوق الإنسان.

 

صبري الحو

محام بمكناس

خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء