إن وضع المغرب لجيشه في حالة استنفار قصوى على طوله حدوده الصحراوية يترجم إحساسه بجدية الخطر على أمنه القومي والإقليمي، وكذا إحساسه بمسؤوليته في حماية الأمن والسلم الإقليمي والدولي من خلال الوفاء بالتزاماته الدولية في مكافحة الجماعات الإسلامية المسلحة ضمن الاستراتيجية العالمية لمحاربة الإرهاب.
وإذ يرفع المغرب من درجة يقظته العسكرية، فإنه يقدر حجم التداعيات الأمنية على حدوده الصحراوية، فلأن مجموعة من التقارير الإستخباراتية الحديثة الإسبانية والفرنسية والأمريكية كشفت ارتباط تنظيم البوليساريو بالجماعات الإسلامية الناشطة في مالي وفي مجموع الصحراء الإفريقية الكبرى. ولذلك لا يستبعد المغرب أن تعمد البوليساريو على تنفيذ عملية عسكرية في العمق المغربي للإضرار برصيده في الأمن والإستقرار السياسي.
في هذا السياق يأتي تأكيد وزير خارجية جمهورية مالي ولأول مرة في حوار صحفي وجود عناصر من جبهة البوليساريو إلى جانب الجماعات الإسلامية المسلحة في الشمال المالي تم استقدامهم عبر الجزائر من مخيمات تندوف.
وهو ما يعني أن جبهة البوليساريو قد اختارت توجها جديدا وفكرا ارهابيا متشنجا ناتج عن عقم لمنافذ حل الأزمة حول الصحراء من الناحية السياسية وبؤسا في تدبير القضايا الاجتماعية لسكان مخيمات تندوف.
الاستنفار المغربي جاء بعد أن جددت إسبانيا تحذير رعاياها من زيارة مخيمات تندوف لأنها أصبحت فضاء غير آمن، حيث غادرتها كل المؤسسات المدنية العاملة في مجال المساعدات الإنسانية.
إن المملكة المغربية وهي تستشعر استهداف أمنها القومي من جهة الحدود الجنوبية، فلأنها لم تعد تثق في قدرة أعضاء بعثة المينورسو على حماية شروط وقف إطلاق النار الموقع تحت إشراف الأمم المتحدة سنة 1991 بين المغرب وتنظيم جبهة البوليساريو.
فضلا عن ذلك فإن المغرب يعرف عدوه الاستراتيجي المتمثل في تنظيم البوليساريو حليف الجماعات الإسلامية في الصحراء الإفريقية وعصابات التهريب والمتاجرة في السلاح والمخدرات الصلبة العابرة للحدود، ولأنه رعى مع فرنسا القرار الدولي بالتدخل العسكري في مالي، باعتبارها عضوا غير دائم بمجلس الأمن الدولي، ولأنه فتح مجاله الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، مما جعل عدة أصوات محافظة تبدي معارضتها لذلك باعتباره دعما للصليبين ضد المسلمين، وهو ما يضع الأمن المغربي على المحك.
ومعلوم أن المغرب استطاع الحفاظ على أمنه مقارنة بباقي الدول المغاربية عبر استرتيجية أمنية استباقية مكنت من تفكيك عدة خلايا تنشُط في مجال استقطاب وتجنيد شباب مغاربة للقتال ضمن التنظيمات الموالية للقاعدة في مالي، من دون أن تخترقه الجماعات الإسلامية.
عبد الفتاح الفاتحي