يعد السيد التهامي العيرجي"الذي رحل إلى دار البقاء يوليوز الماضي" أحد ضحايا السجون الجزائرية فهذا الرجل اعتقل رفقة صهر أخيه وأحد الرعاة بالمنطقة بتهمة اجتياز الحدود ليتضح بجلاء أن سكان الشريط الحدودي و على الأخص أولئك المشتغلين بالرعي لهم، هم كذلك لديهم معاناتهم الخاصة مع الجارة الجزائر , و يجب على الدولة المغربية و المجتمع المدني أن يهتما بهؤلاء كما يهتمان بضحايا الترحيل القسري من الجزائر,فالراحل وأخواه ألفوا قيادة قطيعهم إلى مورد ماء بجبل كروز و تحديدا بمعدر الكبش بإقليم فجيج و هناك تفاجؤوا في سنة 2005م بالجيش الجزائري يحيط بالمكان و يعتقل الرعاة و ينقل رؤوس الأغنام البالغ عددها 1650 رأسا , و بعد محاكمة سريعة حكم عليه بسنتين سجنا نافذا و غرامة مليارين و 700 مليون سنتيم لفائدة الجمارك الجزائرية , ليطرح في هذا الموضوع سؤال عريض من المسؤول : أهو هذا المواطن ؟ أم هي الدولة المغربية ؟ أم الجيش الجزائري ؟. أم هي الحدود في حد ذاتها؟
تنتصب الحدود بين كل دول المعمور , لكن في حدودنا مع الجارة الشرقية يصر الإخوة الجزائريون على تحويلها إلى ما هي عليه اليوم , مصدر شتات لسكانها ,و لو كانت قبائلهم موزعة بين القطرين كما هو حال التهامي المنتمي لقبيلة ذوي منيع , و من الصدف الغريبة هي أن أسرة الضحية هي الأخرى مقسمة بين الدولتين , و الأدهى من كل ذلك أن القطيع المصادر إرث مشترك للتهامي وأخويه الذين يسكنون حاليا ما بين الرشيدية و فجيج وأقاربهم الذين يقطنون ببشار المغربية المفوتة من طرف فرنسا للجزائر , فالدولة الجزائرية حين صادرت هذا القطيع لم تحرم السيد العيرجي و أخويه بل وحرمت منه حتى إخوانه المقيمين ببشار التي يبقى للراحل وأخويه عدة ممتلكات بها .
و هنا يتضح أن للحدود في الجهة الجنوبية الشرقية للمملكة و الغربية للجزائر خصائص لا تعثر عليها في باقي حدود العالم الشيء الذي يجعل من إغلاق الحدود جريمة إنسانية لا يمكن أن تغتفر للمسؤولين .
و بعد قضاء مدة اعتقال الراحل التي وصلت الى ما يقارب السنتين عاد هذا السجين السابق في معتقلات الجزائر مريضا مقعدا معدما مما أدخله في عجز كامل إلى حين وفاته و للغرابة كانت قيادة دوي منيع بعين الشواطر عمالة فجيج قد منحته مبلغ 550 درهما لم نعرف إلى يومنا هذا ماذا تمثل مقابل ضياع 1650 رأس من الغنم صودرت من فوق تراب مغربي؟.
فهل هذه القيادة و هذه العمالة قامت بما يمليه عليها الواجب؟, ألا يعد هذا المبلغ الممنوح ضحكا على الذقون و عذرا أقبح من الزلة ؟ و نفس الشيء قد يقال عن عمالة الرشيدية التي ظلت الإدارة الثانية لهؤلاء المواطنين, الذين يقيمون ببوذنيب التابعة إداريا لعمالة الرشيدية لكن لا الباشوية و لا البلدية و لا العمالة تجشمت عناء استدعاء هذا المواطن قبل وفاته لمجرد مواساته!... , فهذا القطيع المصادر ( تحدد قيمته في أزيد من مليونين و نصف من الدراهم ) هو المصدر الوحيد لهذا الراحل و إخوته ، إننا حين أثرنا قضية هذا المواطن كان الهدف هو إثارة انتباه المسؤولين إلى معاناة سكان السجون الجزائرية بصفة خاصة و كذلك لإثارة حالات إنسانية – ضحايا التعسفات الجزائرية - والتي تتطلب تدخلا عاجلا , لكن و بعد قرابة عقد من وقوع هده الحادثة لم تحرك الجهات المعنية ساكنا إلى يومنا هذا فماهي الرسالة و الإشارة التي تسعى هذه السلطات في الرشيدية و فجيج توجيهها إلى ضحايا الحدود الوهمية على اعتبار أن ملف الأراضي المفوتة للجزائر من طرف فرنسا لم يفتح بعد ؟
أمثال الراحل وأسرته المقيمين بالحي الجديد ببودنيب كثيرون، صادرت السلطات الجزائرية قطعانهم ، مصدر رزقهم ليصبحوا ضحايا من نوع خاص للجزائر ... عاش الرجل طريح الفراش لا يتحرك بسبب ما عاناه من تعذيب نفسي و بدني و بسبب الصدمة حين تحول هو و إخوانه والكثيرون من ضحايا الحدود و السجون الجزائرية في رمشة عين إلى فقراء معدمين ......
تلتمس أسرة هذا الرجل من المسؤولين الالتفات إلى هذه الحالات الإنسانية الخاصة و تضميد جراح ضحايا السجون و الحدود المغربية الجزائرية و التفكير في طرح قضيتهم كقضية رأي عام دولي ليقف المهتمون بقضايا حقوق الإنسان عالميا على انتهاكات جزائرية مست الرحل العزل في الحدود على الرغم من أن اتفاقيات عديدة خصتهم بوضع خاص كاتفاق باريس (1901) وما أسس عليه من اتفاقيات بين البلدين فيما بعد .
إن الدولة المغربية و الهيئات الإنسانية مطالبة بعرض هذه الحالات على المنظمات الحقوقية في المحافل الدولية ليقف الرأي العام على خرق جزائري سافر مازال إلى اليوم في الظل .
العيرجي مبروك