سعد بوعقبة، من يعرف الجزائر جيدا، يعرف هذا الصحفي المخضرم، فهو آخر من تبقى من جيل من الكتاب و الصحفيين الجزائريين الذين يملكون القدرة على انتقاد نظام #كابرانات_الكوكايين في بعض الملفات الحساسة و ليست كلها (تم تصفية أغلبهم إبان العشرية السوداء) و على رأسها، الأزمة المفتوحة مع المغرب منذ ما يقرب من نصف قرن، أما بالنسبة للقراء، فعموده الشهير "نقطة نظام" يرفع مبيعات أية صحيفة تنشره أضعافا مضاعفة.
هذا الصحفي كتب قبل نحو أسبوع و نصف مقالا طويلا على أحد المواقع (لأنه ممنوع من النشر في الصحف المحلية) ينتقد فيه الخيارات الديبلوماسية الغبية لنظامه في ما يخص إصراره على الدخول في أزمة ديبلوماسية مع إسبانيا على خلفية تغيير موقفها من قضية الصحراء المغربية، الرجل و كعادته دائمأ، كان صريحا جدا في انتقاده للنظام، و بين أن توجهاته هي أقرب الغباء منها للديبلوماسية، و هذه كما تعرفون تعتبر جريمة لا تغتفر في عرف الكابرانات، لكن و لأن للرجل قدره كصحفي و كاتب و مثقف يحضر باحترام كبير من الشعب، لم يكن بإمكانهم تصفية الحساب معه بشكل مباشر كما يفعلون عادة مع الصحافيين المعارضين، فما العمل يا ترى. ؟؟!
انتظروا قليلا و ما هي إلا أيام قليلة و ينشر سعد بوعقبة مقالا آخر، لكن بلغة ساخرة هذه المرة عن ولاية الجلفة، التي أعلن النظام مؤخرا بأنها سوف تحتضن مشروعا قطريا لتربية الأبقار الحلوب (الجزائر باتت تنتظر بدو الصحراء ليعلموهم كيفية تربية المواشي)، ليحرك الكابرانات ذبابهم الاليكتروني في وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض ضد الرجل و اتهامه بالعنصرية و نشر الكراهية، و رغم أنه قدم اعتذارا مباشرا لسكان الولاية في مقال آخر بعدها، إلا أن حملة الذباب إنتهت إلى تقديم "جمعيات أهلية" لعدة شكايات ضد الرجل، لكن ليس أمام القضاء، بل لدى مدير الأمن الوطني، لتكون النتيجة في النهاية، اعتقال الصحفي المخضرم من بيته.
و وفق مصادر من هيئة الدفاع، فإن بوعقبة يوجد الآن في الحجز تحت الحراسة النظرية بمركز للشرطة في العاصمة الجزائرية، في انتظار تقديمه أمام وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق الوحيد المخول إما بوضعه رهن الحبس المؤقت أو الإفراج عنه.
للتذكير يبلغ سعد بوعقبة من العمر 77 سنة، و حتى سنه لم يشفع له و هو يقبع الآن في ضيافة الشرطة، فقط لأنه تجرأ و عارض بهلوانيات العسكر الديبلوماسية.
ما رأي البرلمان الأوروبي و أحزابه اليسارية يا ترى فيما يتعلق بحرية الرأي و التعبير و حرية الصحافة عند الجارة الشرقية..؟ ؟!
الجواب بسيط و بديهي جدا، سوف يواصلون دفن رؤوسهم في الرمال طبعا، طالما بقيت حساباتهم متخمة بدولارات الغاز الطبيعي الجزائري، بينما تقوم قناة فرنسية بتوقيف صحفي من أصول مغربية فقط لأنه استخدم تسمية الصحراء المغربية بدل (الغربية)، رغم أنه لم يخالف القانون الفرنسي الذي يسمح بحرية التعبير و بدون حدود أو محاذير و في أي موضوع أو سياق مهما بلغت درجة الاختلاف في الآراء و المواقف حوله. ما عدا التشكيك في المحرقة النازية أو معاداة السامية، التي صدر فيها قانون Fabius-Gayssot في منتصف العام 1990، و الذي تصل فيه العقوبات إلى حدود السجن لسنوات و حتى التجريد من الممتلكات و الحقوق الدستورية، أما غير ذلك فقد رأينا جميعا كيف خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل سنتين على قناة الجزيرة في لقاء صحفي مطول ليشرح للمسلمين كيف أن قانون الجمهورية الفرنسية لا يعترف بأية حدود عندما يتعلق الأمر بحرية الرأي و التعبير.
فهل يا ترى تمت إضافة قضية الصحراء المغربية إلى قانون Fabius-Gayssot في غفلة من الشعب الفرنسي... ؟؟!
الجواب على هذا السؤال أيضا بسيط و بديهي حد السخافة، ما ترونه من بهلوانيات تافهة، هو آخر ما تبقى لفرنسا اليعقوبية لإزعاج المملكة المغربية، و إثارة البلبلة السلبية حول قضية الصحراء، بحيث تتحول إلى منطقة ألغام حقيقية يرتعد منها الصحفي و المثقف و الباحث و الديبلوماسي و حتى السياسي، بل يصبح تحت تهديد التحول إلى شخص منبوذ كلية (Pariah) في الساحة العامة، إن هو تجرأ و عبر عن موقف يخالف ما تتفق حوله بعض مراكز القوى السياسية الموزعة بين الإليزيه و وزارة الخارجية الفرنسية, التي بات من الواضح اليوم أنها تعيش حالة متقدمة جدا من الفصام، بحيث ترفض الرضوخ إلى الأمر الواقع بأن موضوع الصحراء المغربية قد حسمه المغرب تماما، و خارج مجال التأثير الفرنسي، بينما تؤمن في نفس الوقت بأن تكميم أفواه الصحافيين على القنوات الفرنسية و فرض توجهات بعينها على آرائهم كفيل بتغيير نتائج التحركات السياسية و الاختراقات الديبلوماسية التي سجلها المغرب منذ تأمين معبر الگرگرات و ما تلاه من أحداث و متغيرات.
المشهد كله بات مغرقا في السخافة و العبث، فبينما فرنسا الإفريقية تعتقل صحافييها و تضعهم في السجن بسبب الصحراء المغربية، نرى فرنسا الأوروبية تبادر إلى طرد صحافييها من مؤسساتهم و لنفس السبب الغريب.. ألم نقل لكم أن هذه من تلك... ؟؟!!
مهدي بوعبيد